Monday 24 September 2012

وفاء بوطن



ما اثقل هذا النهار و ما افضحه. توفيت الى رحمة الله جارتي الحبيبة ماري.ماتت بين وطنين لفظها احدهما و تنكر لها الأخر. لمن لا يعرف ماري, هي امراة خمسينية جميييييييلة من اصول جنوبية, نموذج للمراة السودانية في جلدها و عطائها. انتقلت من ست عرقي لست شاي و كل ما بينهما من خدمة في البيوت و شحتة و و و 
جاورتنا منذ ما يزيد عن ١٥ سنة, فلا اذكر فرح او ترح الا و ماري في البرندة بتغسل في العدة او بتغلي في الشاي. كانت دائما اول المهنئين بالنجاح و المرحبين بالعودة.
ابكيها بعرض و طن ادار لها ظهره ولم يترك لها حتى هامش تعيش فيه. ابكيها بغزارة قهرها و خذلانها. كانت تنبش الصخر لتكافأ بابنة فشلت في تعليمها ووطن يهدم ما اسمته بيتا بتهمة السكن العشوائي!
لازلت اذكر حسرتي في اخر لقاء لي بها عندما اخبرتي انها ستشد الرحال الى "دولة جنوب السودان" عشما في قطعة ارض.
لم تسرق حياتك منك اليوم ماري, سرقت منذ كنت رضيعة في المهد, بل سرقت منذ كنت في بطن امك و قبل ذلك بكثير. مت وانت تمنين نفسك باوضتين و برنده فابت بلادك الا ان تموتي بدونهما. فلترقدي بسلام عزيزتي, عسى الله ان يبدلك ديار خير من ديارك
أين تذهبين يا وفاء؟ فقدت أمك بين وطنين و ضعت بينهما. ضعت بين أم شقيت  لتطعمك  و أخرى تركتك  تشقين لتطعمي ابناءها . ضعت بين لغة أجدتها و سلبت منك و لغة لم تجيديها و فرضت عليك، ضعت بين حلم بالنجاح و  حلم  بالإنتماء، ضعت بين هوية سودانية و هوية سودانية !
 ماذا أفعل في هذا الصوت الذي ينخر عظامي أخبريني يا وفاء،  ألم أكن شاهداً على ازهاق أحلامك يوماً تلو الأخر ! الم أختر  مقاعد المتفرجين الوثيرة على هامش حياتك؟ لازلت أذكرك فتاه جميلة مزهوة بجسدها الفارع و عيناها المتقدان ذكاءً. تلك العينان الاتي أنهكتهما محاولاتك المضية لتغير حياتك تحت مصباح الشارع ، تحملين كتابك بيد و همومك بالأخرى. كيف لهذه العزيمة أن تهزم؟ انما هزمها تأمرنا عليك بالصمت. 
رأيتك تبنين قصراً لأمك على قطعة الأرض التي ولدتي و انتي تحرسينها، تحت الأنقاض و بالصدقات. فذهب القصر و ذهبت الأرض و الأم و ذهبت حتى الأنقاض و الصداقات. سرقت من جوارنا و بعت بثمن بخس و نحن لازلنا في مقاعدنا الوثيره. لمن أرجأنا أمرك؟  و ما صبرنا ؟  لعلنا في إنتظار جندٌ من السماء ينقذوننا أو ريح صرصر عاتية تذهب بنا ..
مللت المشهد و الممثلون يا وفاء. سأبارح مقعدي و ليأتي معي من يأتي. سأحملك في رسماً و أغنيك لحناً و أبكيك دماً. سأصرخ أو أضحك، سأزحف أو  أرقص أو أركض.. نعم سأركض لا أدري إلى أين و في أي إتجاه انما سأركض و ساتيكي ببديل يكفر عني قليلاً من جريمتي نحوك

1 comment:

  1. ألا لعنة الله على الظالمين تجار السياسة , باعة البضاعة المغشوشة التالفة على الطيبين الغلابة أمثالنا , على سرير احتضار الوطن , بعد طول سنين من المرض والتوجع والإحن , نقيم سرادقاً كبيراً بحجم الوطن , لتقبل العزاء في فقيد عزيز لنا , هو مننا , بعضاً من دمنا , قطعة من لحمنا , العزاء للجميع , الكبير والصغير ,جبر الله الكسر , وعظم الأجر , " إنا لله وإنا إليه راجعون " .

    ReplyDelete